منشاة سليمان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي ديني - ثقافي - اجتماعي - تعليمي - رياضي
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 .زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابو طنش
مشرف عام
ابو طنش


المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 07/10/2009
العمر : 48
الموقع : https://manshatsoliman.ahlamontada.com/profile.forum?mode=editprofile

.زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد Empty
مُساهمةموضوع: .زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد   .زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد Icon_minitime1الإثنين أكتوبر 12, 2009 5:39 am

[i][b]م الله الرحمن الرحيم
أليكم هذة الهديه من
اخوكم /حسن طنش
زاد المعاد
في هدي خير العباد

للإمام العلامة شيخ الإسلام
محمد بن أبى بكر الزرعى
ابن قيم الجوزية

الجزء الخامس
هذا ما عندى اوما قرئته
رغم انه يكلفى الكثير من عناء الكتابه
ولكنى حرصت على نشره فى منتدانا
ولعل الله يجعل من يستفاد
ولوبجزء من بعض ما املك
سؤا من كتاباتى الشخصيه
اوالكتب التى ساقوم بنقلها اليكم
مع خالص تحياتى/حسن محمد طنش

فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الأقضِيَة والأنكِحَة والبُيُوع
وليس الغرضُ من ذلك ذكر التشريع العام وإن كانت أقضيتهُ الخاصةُ تشريعاً عاماً، وإنما الغرضُ ذكرُ هديه فى الحكومات الجزئية التى فصل بها بينَ الخصوم، وكيف كان هديهُ فى الحكم بين الناس، ونذكرُ مع ذلك قضايا مِن أحكامه الكلية.
فصل
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث بهزِ بن حكيم، عن أبيه، عن جده، ((أن النبى صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رجلاً فى تُهْمةٍ)). قال أحمد وعلى بن المدينى: هذا إسناد صحيح.
وذكر ابنُ زياد عنه صلى الله عليه وسلم فى ((أحكامه)): أنه صلى الله عليه وسلم سجن رجلاً أعتق شِرْكاً له فى عبد، فوجب عليه استتمام عتقه حتى باع غُنَيْمَةً له.
فصل
فى حكمه فيمن قَتَلَ عبده
روى الأوزاعى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدَّه، أن رجلاً قتل عبدَه متعِّمداً، فجلده النبىُّ صلى الله عليه وسلم مائة جلدةً، ونفاه سنةً، وأمره أن يعتِقَ رقبةً ولم يُقِدْهُ به.
وروى الإمام أحمد: من حديث الحسن، عن سَمُرَةَ رضىَ اللَّهُ عنه، عنه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاه)) فإن كان هذا محفوظاً، وقد سمعه منه الحسن، كان قتلُه تعزيزاً إلى الإمام بحسب ما يراه من المصلحة.
وأمرَ رجلاً بملازمة غريمه، كما ذكر أبو داود، عن النَّضر بن شُميل، عن الهِرماس بن حبيب، عن أبيه، عن جدِّه رضى اللَّهُ عنه قال: أتيتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بغريم لى، فقال لى: ((الْزَمْهُ)) ثم قال لى: ((يا أخا بنى سَهْم ما تُريدُ أنْ تَفْعَلَ بِأسِيرك))؟ وروى أبو عبيدٍ، أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل القاتل، وصبْرِ الصابر. قال أبو عبيد: أى: بحبسه للموتِ حتى يموت.
وذكر عبدُ الرزاق فى ((مصنفه)) عن على: يُحبس المُمْسِكُ فى السِّجْنِ حتى يَموتَ.
فصل
فى حكمه فى المحاربين
حَكم بقطع أيدِيهم، وأرجُلهِم، وسَمْلِ أعينهم، كما سملُوا عينَ الرِّعاء، وتركهم حتى ماتُوا جوعاً وعطشاً كما فعلوا بالرِّعاء.
فصل
(يتبع...)
@فى حكمه بين القاتل وولى المقتول
ثبت فى ((صحيح مسلم)): عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً ادَّعى على آخر أنه قتلَ أخاهُ، فاعترف، فقالَ: ((دُونَكَ صَاحِبَكَ))، فلما ولَّى، قال: ((إنْ قَتَلَهُ، فهو مِثْلُه))، فرجعَ فقال: إنما أخذتُه بأمرك، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أمَا تُريدُ أَن يَبوءَ بإثْمِكَ وإِثْم صَاحِبَكَ))؟ فقال: بلى فخلّى سبيلَه.
وفى قوله: ((فهو مثلُه))، قولان، أحدهما: أن القاتل إذا قِيد منه، سقط ما عليه، فصار هو والمستفيدُ بمنزلةٍ واحدة، وهو لم يقل: إنه بمنزلته قبل القتل، وإنما قال: ((إن قتله فهو مثلُه))، وهذا يقتضى المماثلةَ بعد قتله، فلا إشكالَ فى الحديث، وإنما فيه التعريضُ لصاحب الحقّ بترك القود والعفو.
والثانى: أنه إن كان لم يُرد قتلَ أخيه قتلَه به، فهو متعدٍّ مثله إذ كان القاتل متعدياً بالجناية، والمقتصُّ متعدٍ بقتل من لم يتعمدِ القتلَ، ويدلُّ على التأويل ما روى الإمام أحمد فى ((مسنده)): من حديث أبى هُريرة رضى الله عنه قال: قُتِلَ رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَرُفِعَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فدفَعه إلى ولىَّ المقتول، فقال القاتِلُ: يا رسولَ الله، ما أردتُ قتلَه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للولى: ((أمَا إنَّهُ إذَا كَانَ صَادِقاً، ثم قَتَلْتَه دَخَلْتَ النَّار))، فخلَّى سبيله. وفى كتاب ابن حبيب فى هذا الحديث زيادةُ، وهى: قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:
((عَمْدُ يَدٍ، وخَطَأُ قَلْبٍ)).
فصل
فى حكمه بالقَوَدِ على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَلُ به كما فَعَلَ
ثبت فى ((الصحيحين)): ((أن يهودياً رضَّ رأسَ جاريةٍ بينَ حجريْنِ على أوضاحٍ لها، أى: حُلِىٍّ، فأُخِذَ، فاعْتَرَفَ، فأمر رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رأسُه بين حَجَرَيْنِ)).
وفى هذا الحديثِ دليلٌ على قتلِ الرجل بالمرأة، وعلى أن الجانىَ يُفعل به كمَا فَعَلَ، وأن القتل غيلة لا يُشترط فيه إذنُ الولى، فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يدفعه إلى أوليائها، ولم يقل: إن شِئتُم فاقتلُوه، وإن شئتم فاعفوا عنه، بل قتله حتماً، وهذا مذهبُ مالك، واختيارُ شيخِ الإسلام ابن تيمية، ومن قال: إنه فعل ذلك لِنقض العهد، لم يَصِحَّ، فإن ناقض العهد لا تُرضخُ رأسهُ بالحجارة، بل يُقتل بالسيف.
فصل
فى حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأةً حامِلاً فَطرحهَا
فى ((الصحيحين)): ((أن امرأتينِ من هُذيل رمت إحداهُما الأُخرى بحجَرٍ فقتلتها وما فى بطنها، فقضى فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بغُرَّةً: عَبْدٍ أَو ولِيدَةٍ فى الجنين، وجعل دِيةَ المقتولةِ على عَصَبة القاتِلةِ))، هكذا فى ((الصحيحين)). وفى النسائى: ((فقضى فى حملها بغُرَّة، وأن تُقتل بها))، وكذلك قال غيرُه أيضاً: إنه قتلها مكانها، والصحيح: أنه لم يقتلها لما تقدم. وقد روى البخارىُّ فى ((صحيحه)) عن أبى هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قضى فى جنينِ امرأةٍ من بنى لَحيان بغُرَّةٍ: عبدٍ أو وليدةٍ، ثم إن المرأة التى قضى عليها بالغُرة تُوفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقلَ على عصبتها)).
وفى هذا الحكم أن شِبهَ العمدِ لا يُوجب القود، وأن العاقِلَة تحمل الغُرَّةَ تبعاً للدية، وأن العاقلة هم العصبةُ، وأن زوجَ القاتلة لا يدخُلُ معهم، وأن أولادهَا أيضاً ليسوا مِن العاقِلة.
فصل
فى حكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسامة فيمن لم يُعرف قاتِلُه
ثبت فى ((الصحيحين)): أنه صلى الله عليه وسلم حكم بها بين الأنصار واليهود، وقال لِحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ وعَبْدِ الرحمن: ((أتَحْلِفُونَ وتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبكُم))؟ وقال البخارى: ((وتستحقون قَاتِلَكُم أو صاحِبَكُم))، فقالوا: أمرُ لم نشهده ولم نره، فقال: ((فَتُبْرئكُم يَهُودُ بأَيْمَانِ خَمْسِينَ))، فَقَالُوا: كيف نقبلُ أيمان قَوْمٍ كفار؟ فوداه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من عنده.
وفى لفظ: ويُقْسِمُ خمسون منكم على رجل منهم، فيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ إليه)).
واختلف لفظُ الأحاديث الصحيحة فى محل الدِّية، ففى بعضها أنه صلى الله عليه وسلم وداه مِن عنده، وفى بعضها وداه من إبل الصدقة.
وفى ((سنن أبى داود)): أنه صلى الله عليه وسلم ((ألقى ديتَه على اليهود، لأنه وُجِدَ بينهم)).
وفى ((مصنف عبد الرزاق)): أنه صلى الله عليه وسلم ((بدأ بيهود، فأبَوْا أن يحلِفُوا، فردَّ القسامةَ على الأنصار، فأبوا أن يحلِفُوا فجعل عَقلَه على يهود)).
وفى ((سنن النسائى)): ((فجعل عقله على اليهود، وأعانهم ببعضِها)).
وقد تضمنت هذه الحكومة أموراً:
منها: الحكمُ بالقَسامة، وأنها مِن دين الله وشرعه.
ومنها: القتلُ بها لِقوله: ((فيدفع بُرمَّتِهِ إليه))، وقوله فى لفظ آخر: ((وتستحِقُّونَ دمَ صاحبكم))، فظاهرُ القرآن والسنة القتلُ بأيمان الزوج الملاعن وأيمانِ الأولياء فى القسامة، وهو مذهبُ أهل المدنية، وأما أهلُ العراق، فلا يقتلُونَ فى واحد منهما، وأحمدُ يقتل فى القسامةِ دون اللعان، والشافعى عكسه.
ومنها: أنه يبدأ بأيمان المُدَّعِينَ فى القَسامة بخلاف غيرِها من الدَّعاوى.
ومنها: أن أهلَ الذِّمة إذا منعوا حقاً عليهم، انتقضَ عهدُهم لِقوله صلى الله عليه وسلم: ((إما أن تدوه، وإما أن تأذنُوا بحرب)).
ومنها: أن المدَّعىَ عليه إذا بَعُدَ عن مجلس الحكم، كَتَبَ إليه، ولم يُشْخِصْهُ.
ومنها: جوازُ العملِ والحُكم بِكتابِ القاضى وإن لم يُشهد عليه.
ومنها: القضاء على الغائب.
ومنها: أنه لا يُكتفى فى القَسامة بأقلَّ من خمسين إذا وُجدوا.
ومنها: الحكمُ على أهل الذمة بحكم الإسلام، وإن لم يتحاكموا إلينا إذا كان الحكمُ بينهم وبينَ المسلمين.
ومنها: وهو الذى أشكل على كثيرٍ من الناس إعطاؤه الدية مِن إبل الصدقةِ، وقد ظنَّ بعضُ الناس أن ذلك مِن سهم الغارمين، وهذا لا يصِح، فإن غارِمَ أهلِ الذمة لا يُعطى من الزكاة، وظن بعضُهم أن ذلك مما فَضَل مِن الصدقة عن أهلها، فللإمام أن يصرِفه فى المصالح، وهذا أقربُ مِن الأول، وأقربُ منه: أنه صلى الله عليه وسلم وداه مِن عنده، واقترضَ الدية من إبل الصدقة، ويدل عليه:
((فواده من عنده)) وأقربُ من هذا كُلِّه أن يُقال: لما تحمَّلَها النبىُّ صلى الله عليه وسلم لإصلاح ذات البين بين الطائفتين، كان حكمُها حكمَ القضاء على الغرم لما غرمه لإصلاح ذاتِ البين، ولعل هذا مرادُ من قَال: إن قضاها مِن سهم الغارمين، وهو صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منها لنفسه شيئاً، فإن الصدقةَ لا تحِلُّ له، ولكن جرى إعطاءُ الدية منها مجرى إعطاء الغارم منها لإصلاح ذات البين. والله أعلم.
فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله ((فجعل عقلَه على اليهود))؟ فيقال: هذا مجمل لم يحفظ راويه كيفيةَ جعله عليهم، فإنه صلى الله عليه وسلم لما كتب إليهم أن يدوا القتيلَ، أو يأذنوا بحربٍ، كان هذا كالإلزام لهم بالدِّية، ولكن الذى حفظوا أنهم أنكروا أن يكونوا قتلوا، وحلفوا على ذلك، وأن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده، حفِظُوا زيادة على ذلك، فهم أولى بالتقديم.
فإن قيل: فكيف تصنعون برواية النسائى: ((أنه قسمها على اليهود، وأعانهم ببعضها))؟ قيل: هذا ليس بمحفوظ قطعاً، فإن الدية لا تلزم المدّى عليهم بمجرد دعوى أولياءِ القتيل، بل لا بُد من إقرار أو بينة، أو أيمان المدعين، ولم يُوجد هنا شىء من ذلك، وقد عرضَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أيمانَ القسامة على المدعين، فأَبَوْا أن يحلِفُوا، فكيف يلزم اليهود بالدية بمجرد الدعوى.
فصل
فى حُكمه صلى الله عليه وسلم فى أربعةً سقطُوا فى بئر، فتعلَّق بعضُهم ببعض، فهلكُوا
ذكر الإمام أحمد، والبزار، وغيرُهما، أن قوماً احتفروا بئراً باليمن، فسقط فيها رجلٌ، فتعلَّق بآخر، الثانى بالثالث، والثالث بالرابع، فسقطُوا جميعاً، فماتُوا، فارتفع أولياؤُهم إلى على بن أبى طالب رضى الله عنه، فقال: اجمعُوا مَنْ حفر البئرَ مِن النَّاسِ، وقضى للأول بُربع الدية، لأنه هلك فوقَه ثلاثة، وللثانى بُثلثها لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث بنصفهما لأنه هلك فوقَه واحد، وللرابع بالدية تامة، فأَتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم العامَ المقبلَ، فقصُّوا عليه القِصَّة، فقال: ((هُوَ مَا قضَى بَيْنكُمْ))، هكذا سياقُ البزار.
وسياق أحمد نحوه، وقال: ((إنهم أَبَوْا أَن يرضوا بقضاء على، فَأَتْوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم عليه السلام، فقصُّوا عليه القِصة، فأجازه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا)).
فصل
فيمن تزوج إمرأة أبيه
روى الإمام أحمد، والنسائى وغيرُهما: عن البراء رضى الله عنه، قال: لقيتُ خالى أبا بُردة ومعه الراية، فقال: ((أرسلنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى رجلٍ تزوَّج امرأة أبيه أن أقتُله وآخذ ماله)).
وذكر ابن أبى خيثمة فى ((تاريخه))، من حديث معاوية بن قُرة، عن أبيه، عن جده، رضى الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى رجل أعْرسَ بامرأةِ أبيه، فضرب عنقَه، وخمَّسَ ماله. قال يحيى بن معين: هذا حديث صحيح.
وفى ((سنن ابن ماجه)) من حديث ابن عباس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ وَقَعَ عَلى ذَاتِ مَحْرمٍ فَاقْتُلُوهُ)).
وذكر الجوزجانى، أنه رُفِعَ إلى الحجاجِ رجلٌ اغتصبَ أختَه على نفسها، فقال: احبِسُوهُ، وسلوا مَنْ هاهنا من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوا عبد الله بن أبى مطرِّف رضى الله عنه، فقال: سمعتُ رسول الله يقول: ((مَنْ تَخَطَّى حُرَمَ المُؤْمِنِينَ، فَخُطُّوا وَسَطَه بالسَّيفِ)).
وقد نص أحمد فى رواية إسماعيل بن سعيد، فى رجل تزوَّج امرأة أبيه أو بذاتِ محرم، فقال: يُقتل، ويُدخل مالُه فى بيت المال.
وهذا القولُ هو الصحيح، وهو مقتضى حكمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشافعى ومالك وأبو حنيفة: حدُّه حدُّ الزانى، ثم قال أبو حنيفة: إن وطئها بعد، عُزِّرَ، ولا حد عليه، وحكمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاؤه أحق وأولى.
فصل
فى حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتُّهِمَ بأم ولده فلما ظهرت براءتُه، أمسك عنه
روى ابن أبى خيثمة وابن السكن وغيرُهما من حديث ثابت، عن أنس رضى الله عنه، أن ابنَ عمِّ ماريةَ كان يُتَّهم بها، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه: ((اذْهَبْ فَإنْ وَجَدْتَهُ عِنْدَ مَارِيَةَ، فاضْرِبْ عُنُقَهُ))، فأتاهُ علىٌّ فإذا هو فى رَكِىٍّ يتبَرَّدُ فيها، فقال له على: اخرج، فناوله يده، فأخرجه، فإذا هو مجبوبٌ ليس له ذكر، فكفَّ عنه على، ثم أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إنه مجبوب، ماله ذكر. وفى لفظ آخر: أنه وجده فى نخلة يجمع تمراً، وهو ملفوفٌ بخرقة، فلما رأى السيفَ، ارتعد وسقطت الخِرقة، فإذا هو مجبوبٌ لا ذكر له.
وقد أشكلَ هذا القضاءُ على كثيرٍ من الناس، فطعن بعضُهم فى الحديث، ولكن ليس فى إسناده من يتعلَّق عليه، وتأوَّله بعضُهم على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُردْ حقيقةَ القتل، إنما أرادَ تخويفَه ليزدجِرَ عن مجيئه إليها. قال: وهذا كما قال سليمان للمرأتين اللتين اختصمتا إليه فى الولد: ((على بالسِّكين حتى أشُقَّ الولد بينهما))، ولم يرد أن يفعل ذلك، بل قصد استعلامَ الأمر من هذا القول، ولذلك كان مِن تراجم الأئمة على هذا الحديث: باب الحاكم يُوهم خلاف الحق لِيتوصل به إلى معرفة الحق، فأحبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَعرِفَ الصحابة براءته، وبراءة مارية، وعلم أنه إذا عاين السيفَ، كشف عن حقيقة حاله، فجاء الأمرُ كما قدَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
وأحسنُ من هذا أن يقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضى الله عنه بقتله تعزيراً لإقدامه وجرأته على خلوته بأم ولده، فلما تبيَّن لعلى حقيقة الحال، وأنه برىء من الريبة، كفَّ عن قتله، واستغنى عن القتل بتبيين الحال، والتعزيرُ بالقتل ليس بلازم كالحدِّ، بل هو تابعٌ للمصلحة دائرٌ معها وجوداً وعدماً.
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم فى القتيل يُوجد بينَ قريتين
روى الإمام أحمد، وابن أبى شيبة، من حديث أبى سعيد الخدرى رضىَ الله عنه قال: ((وُجدَ قتيلٌ بَينَ قريتينِ، فأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم فَذَرَعَ ما بينهما، فوُجِدَ إلى أحدهما أقرب، فكأنى أنظر إلى شِبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقاهُ عَلَى أقربِهِمَا)).وفى ((مصنف عبد الرزاق)) قال عمرُ بن عبد العزيز: ((قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا فى القتيل يُوجد بين ظهرانى دِيارِ قومٍ: أنَّ الأيمانَ على المدَّعى عليهم، فإن نَكَلُوا، حُلِّفَ المدعون، واستحقُّوا، فإن نكل الفريقانِ، كانت الديةُ نِصفُها على المدَّعى عليهم، وبطل النصفُ إذا لم يحلِفُوا)).
وقد نص الإمام أحمد فى رواية المروَزى على القول بمثل رواية أبى سعيد، فقال: قلت لأبى عبد الله: القومُ إذا أعطوا الشىء، فتبينوا أنه ظُلِمَ فيه قوم؟ فقال: يُرد عليهم إن عُرِفَ القوم. قلت: فإن لم يُعرفوا؟ قال: يُفرَّق على مساكين ذلك الموضع، فقلت: فما الحُجة فى أن يُفرَّق على مساكين ذلك الموضع؟ فقال: عمر بنُ الخطاب رضى الله عنه جعل الديةَ على أهل المكانِ يعنى القرية التى وُجِدَ فيها القتيل، فأراه قال: كما أن عليهم الدية هكذا يُفرَّقُ فيهم، يعنى: إذا ظُلِمَ قوم منهم ولم يُعرفوا، فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد قضى بموجب هذا الحديث، وجعل الديةَ على أهل المكان الذى وُجِدَ فيه القتيلِ، واحتج به أحمد، وجعل هذا أصلاً فى تفريق المال الذى ظُلم فيه أهلُ ذلك المكان عليهم إذا لم يُعرفوا بأعيانهم.
وأما الأثر الآخر، فمرسل لا تقومُ بمثله حجة، ولو صحَّ تعيَّن القولُ بمثله، ولم تَجُز مخالفته، ولا يُخالف باب الدعاوى، ولا باب القسامة، فإنه ليس فيهم لَوْثٌ ظاهر يُوجب تقديم المدعين، فيقدم المدَّعى عليهم فى اليمين، فإذا نَكَلُوا، قوىَ جانبُ المدَّعين من وجهين: أحدهما: وجودُ القتيل بين ظهرانيهم. والثانى: نكولُهم عن براءة ساحتهم باليمن، وهذا يقومُ مقامَ اللوثِ الظاهر، فَيَحْلِفُ المدَّعون، ويستحقون، فإذا نكل الفريقانِ كلاهما، أورث ذلك شبهةً مركبة من نكول كُلِّ واحد منهما، فلم ينهض ذلك سبباً لإيجاب كمال الدية عليهم إذا لم يحلِف غرماؤهم، ولا إسقاطُها عنهم بالكلية حيث لم يحلِفُوا، فجعلت الدية نصفين، ووجب نصفُها على المدَّعى عليهم لثبوت الشبهة فى حقهم بترك اليمين، ولم تَجِب عليهم بكمالها، لأن خُصومَهم لم يحلِفُوا، فلما كان اللوثُ متركباً من يمين المدعين، ونكول المدَّعى عليهم، ولم يتمَّ، سقط ما يقابل أيمان المدعين وهو النصفُ، ووجب ما يُقابل نكول المدَّعى عليهم وهو النصف، وهذا مِن أحسن الأحكام وأعدِلها، وبالله التوفيق.
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القِصاصِ من الجُرح حتى يَنْدَمِلَ
ذكر عبد الرزاق فى ((مصنفه)) وغيرُه: من حديث ابن جريج، عن عمرو بن شعيب قال: ((قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى رجل طعن آخر بقرن فى رجله، فقال: يا رسول الله: أقِدْنى، فقال: ((حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُكَ))، فأبى الرجل إلاَّ أن يستقيده، فأقاده النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فصحَّ المستقادُ منه، وعرج المستقيد، فقال: عرجتُ وبرأ صاحبى، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَمْ آمُرْكَ أَن لا تَستَقيدَ حَتَّى تَبْرأَ جِراحُكَ فَعَصَيْتَنى، فَأَبعدَكَ اللَّهُ وبطل عَرجك))، ثم أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من كان به جُرح بعد الرجل الذى عَرَجَ أن لا يُستقاد منه حتى يبرأ جرح صاحبه. فالجراح على ما بلغ حتى يبرأ، فما كان مِن عَرَج أو شللَ، فلا قود فيه، وهو عقل، ومن استقاد جرحاً، فأصيب المستقادُ منه، فعقل ما فضل من دِيته على جُرح صاحبه له.
قلت: الحديثُ فى ((مسند الإمام أحمد)). من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه متصل،(( أن رجلاً طعن بِقَرْن فى رُكْبَتِهِ فجاء إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أقدنى. فقال: حَتَّى تَبْرَأَ))، جاء إليه فقال: أَقِدْنى. فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسولَ الله، عرجتُ، فقال: ((قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنى، فَأَبْعَدَكَ الله وبَطَّلَ عَرْجَتَكَ))، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتصَّ مِن جُرح حتى يبَرأ صاحبه)).
وفى سنن الدارقطنى: عن جابر رضى الله عنه، ((أن رجلاً جُرِحَ، فأرادَ أَن يستقيدَ، فنهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُستقاد مِن الجارح حتى يبرَأ المجروحُ)).وقد تضمنتَ هذه الحكومةُ، أنه لا يجوز الاقتصاصُ مِن الجُرح حتى يسِتقرَّ أمرُه، إما باندمالٍ، أو بسِراية مستقرة، وأنَّ سراية الجناية مضمونة بالقود، وجوازِ القِصاص فى الضربة بالعصا والقَرن ونحوهما، ولا ناسخ لهذه الحكومة، ولا مُعارِضَ لها، والذى نسخ بها تعجيلُ القصاص قبل الاندمال لا نفسُ القصاص فتأمله، وأن المجنى عليه إذا بادر واقتصَّ من الجانى، ثم سرتِ الجناية إلى عُضو من أعضائه، أو إلى نفسه بعد القصاص، فالسرايةُ هدر.وأنه يُكتفى بالقصاص وحدَه دون تعزير الجانى وحبسِه، قال عطاء: الجروحُ قِصاص، وليس للإمام أن يضرِبَه ولا يسجِنه، إنما هو القصاص، وما كان ربك نسياً، ولو شاء، لأمر بالضرب والسجن. وقال مالك: يُقتص منه بحقِّ الآدمى، ويُعاقب لجرأته.
والجمهور يقولون: القصاصُ يُغنى عن العقوبة الزائدة، فهو كالحدِّ إذا أُقيم على المحدود، لم يحتج معه إلى عقوبة أخرى.
والمعاصى ثلاثة أنواع: نوعٌ عليه حدٌّ مقدَّر، فلا يُجمع بينه وبين التعزير. ونوعٌ لا حدَّ فيه، ولا كفارة، فهذا يُردع فيه بالتعزير، ونوع فيه كفارة، ولا حد فيه، كالوطء فى الإحرام والصيام، فهل يُجمع فيه بين الكفارة والتعزير؟ على قولين للعلماء، وهما وجهان لأصحاب أحمد، والقِصاص يجرى مجرى الحدِّ، فلا يُجمع بينه وبين التعزير.
فصل
فى قضائِهِ صلى الله عليه وسلم بالقِصاصِ فى كسرِ السن
فى ((الصحيحين)): من حديث أنس، أن ابنة النضر أختَ الرُّبَيِّعِ لطمَتْ جَارِية، فكسرت سِنَّها، فاختصمُوا إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فأمر بالقِصاصِ، فقالت أُمُّ الرُّبَيِّعِ: يا رسول الله، أَيقتص مِن فُلانة، لا والله لا يُقْتَصُّ منها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ)).
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضَّ يدَ رَجُلٍ، فانتزع يده من فيه، فسقطت ثنية العاض بإهدارها
ثبت فى ((الصحيحين)): أن رجلاً عضَّ يدَ رجل، فنزع يدَه من فيه، فوقعت ثناياه، فاختصمُوا إلى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يَعَضُّ أحَدُكُم أَخَاهُ كما يَعَضُّ الفَحْلُ، لا دِيةَ لَكَ)).
وقد تضمَّنتْ هذه الحكومةُ أن مَنْ خلَّص نَفَسَه مِن يدِ ظالمٍ له، فَتَلِفَتْ نَفْسُ الظالم، أو شىءٌ مِنْ أطرافه أو مَالِهِ بذلك، فهو هَدْرٌ غَيْرُ مضمون.
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن أطلع فى بيت رجُلٍ بغير إذنه، فَحذَفَهُ بحَصَاةٍ أَو عُود، ففقأ عينه، فلا شىء عليه
(يتبع...)
@
ثبت فى ((الصحيحين)) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((لَوْ أَنَّ امرءاً اطَّلعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْن، فَحذَفْتَهُ، بِحَصَاةٍ، فَفَقَأَتْ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ)).
وفى لفظ فيهما: ((مَنِ اطَّلعَ فى بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَفَقَؤُوا عَيْنَهُ، فَلاَ دِيةَ لَهُ ولا قِصَاصِ)).
وفيهما: ((أن رجلاً اطلعَ من جُحْرٍ فى بعضِ حُجَرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقام إليهِ بمِشْقَصٍ، وجعلَ يختِلهُ لِيطعَنه))، فذهب إلى القول بهذه الحكومة، إلى التى قبلها فقهاءُ الحديث، منهم: الإمامُ أحمد، والشافعى ولم يقل بها أبو حنيفة ومالك.
[قضاء متنوع في القتل والدية]
فصل
وقضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ((أن الحامِلَ إذا قَتَلَت عمداً لا تُقتل حتى تضَعَ ما فى بطنها وحتَّى تُكَفِّلَ وَلَدَهَا)). ذكره ابن ماجه فى ((سننه)).
وقضى ((أن لا يُقتل الوالدُ بالولَدِ)). ذكره النسائى وأحمد.
وقضى ((أن المؤمنين تتكافأ دماؤهم، ولا يُقْتَل مؤمِنٌ بكافر)).
وقضى أن من قُتِلَ له قتيل، فأهله بَيْنَ خِيرَتَيْنِ، إما أن يقتلُوا أو يأخذوا العقل. وقضى أن فى دية الأصابع من اليدين والرِّجلين فى كل واحدة عشراً مِن الإبل. وقضى فى الأسنان فى كل سِن بخمسٍ من الإبل، وأنها كلها سواء، وقضى فى المواضح بخمسٍ خمسٍ.وقضى فى العين السَّادة لمكانها إذا طُمِسَتْ بثلث ديتها، وفى اليد الشلاء إذا قُطِعَتْ بثلث ديتها، وفى السِّنِّ السوداء إذا نُزعَتْ بثلث ديتها.
وقضى فى الأنف إذا جُدِعَ كُلُّه بالدية كاملة، وإذا جُدِعَتْ أرنبتُه بنصف الدية.
وقضى فى المأمومة بثُلُث الدية، وفى الجائفة بثلثها، وفى المُنَقِّلَةِ بخمسةَ عشرَ من الإبل. وقضى فى اللسان بالدية، وفى الشفتين بالدية، وفى البَيْضَتَيْنِ بالدية، وفى الذَّكَرِ بالدية، وفى الصُّلْب بالدية، وفى العينين بالدية، وفى إحداهما بنصفها، وفى الرجل الواحدة بنصف الدية، وفى اليد بنصف الدية، وقضى أن الرجل يُقتل بالمرأة.
وقضى أن دية الخطأ على العاقلة مائة من الإبل، واختلفت الرواية عنه فى أسنانها، ففى السنن الأربعة عنه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ((ثَلاَثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وثَلاَثُونَ بِنْتَ لَبُون، وثَلاَثُونَ حِقَّةً، وعَشَرةُ بنى لَبُونٍ ذَكَرٍ)).
قال الخطابى: ولا أعلم أحداً مِن الفقهاء قال بهذا.
وفيها أيضا من حديث ابن مسعود: أنها أخماسٌSad(عِشرون بنتَ مَخَاضٍ، وعشرون بنت لَبون، وعشرون ابن مخاض، وعشرون حِقَّة، وعِشرونَ جَذَعَة)).
وقضى فى العمد إذا رضُوا بالدَّية ثلاثين حِقَّة، وثلاثين جَذَعة، وأربعين خَلِفَة، وما صُولحوا عليه، فهو لهم.
فذهب أحمد وأبو حنيفة إلى القول بحديث ابن مسعودٍ رضى الله عنهما، وجعل الشافعى ومالك بدل ابن مخاض ابن لبون، وليس فى واحد من الحديثين.
وفرضها النبىُّ صلى الله عليه وسلم على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتى بقرة، وعلى أهلِ الشاءِ ألفى شاة، وعلى أهل الحُلَلِ مائتى حُلة.
وقال عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ((جعلها ثمانمائة دينار، أو ثمانمائة آلاف درهم)).
وذكر أهل السنن الأربعة من حديث عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنهما،((أن رجلاً قُتِلَ، فجعلَ النبى صلى الله عليه وسلم ديتَه اثنى عشَرَ أَلفاً)).
وثبت عن عمر أنه خطب فقال: إن الإبلَ قد غلت، ففرضها على أهلِ الذهب ألفَ دينار، وعلى أهل الوَرِقِ عشر ألفاً، وعلى أهلِ البقر مائتى بقرة، وعلى أهل الشاءِ ألفى شاة، وعلى أهل الحُلل مائتى حلة، وترك دِية أهل الذمة، فلم يرفعها فيما رَفَعَ مِن الدية.
وقد روى أهلُ السنن الأربعة عنه صلى الله عليه وسلم:
((دِيَةُ المعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الحُرِّ. ولفظ ابن ماجه: قضى أن عقلَ أَهْلِ الكِتَابينِ نِصْفُ عَقْلِ المسلمين، وهم اليهود والنصارى)).
واختلف الفقهاء فى ذلك، فقال مالك: ديتهم نصفُ دية المسلمين فى الخطأ والعمد، وقال الشافعى: ثلثُها فى الخطأ والعمد. وقال أبو حنيفة: بل كِدَية المسلم فى الخطأ والعمد. وقال الإمام أحمد: مثلُ دية المسلم فى العمد. وعنه فى الخطأ روايتان، إحداهما: نصفُ الدية، وهى ظاهر مذهبه. والثانية: ثلثها، فأخذ مالك بظاهر حديث عمرو بن شعيب، وأخذ الشافعىُّ بأن عُمَرَ جعل ديته أربعة آلاف، وهى ثلثُ دية المسلم، وأخذ أحمدُ بحديث عمرو إلا أنه فى العمدِ ضَعَّفَ الدية عقوبة لأجل سقوط القصاص، وهكذا عنده مَنْ سقط عنه القصاص، ضُعِّفت عليه الدية عقوبة، نص عليه توفيقاً، وأخذ أبو حنيفة بما هو أصلُه من جريان القصاص بينهما، فتتساوى ديتُهما.
وقضى صلى الله عليه وسلم ((أن عقلَ المرأة مِثْلُ عقل الرجل إلى الثلث من ديتها)) ذكره النسائى. فتصير على النصف من ديته، وقَضى بالدية على العاقلة، وبرأ منها الزوج، وولد المرأة القاتلة.
وقضى فى المكاتب أنه إذا قُتِلَ يُودى بقدر ما أَدَّى من كتابته دية الحر، وما بقى فدية المملوك، قلت: يعنى قيمته، وقضى بهذا القضاء علىُّ بن أبى طالب، وإبراهيم النَّخعى، ويُذكر رواية عن أحمد، وقال عمر: إذا أَدَّى شطرَ كتابته كان غريماً، ولا يرجع رقيقاً، وبه قضى عبدُ الملك بن مروان. وقال ابن مسعود: إذا أدَّى الثلث، وقال عطاء: إذا أدَّى ثلاثة أرباع الكتابة، فهو غريم، والمقصود: أن هذا القضاء النبوىَّ لم تُجمع الأمةُ على تركه، ولم يُعلم نسخه.
وأما حديث ((المكَاتبُ عَبْدٌ مَا بَقِىَ عَلَيْهِ دِرْهَم)) فلا معارضة بينه وبين هذا القضاء، فإنه فى الرق بعد، ولا تحصل حريته التامة إلا بالأداء.
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقر بالزنى
ثبت فى صحيح البخارى ومسلم أن رجلاً من أسلم جاء إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فاعترف بالزنى، فأعرض عنه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، حتى شَهِدَ على نفسه أربعَ مرَّاتٍ، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَبِكَ جُنونٌ))؟ قال: لا. قال: ((أَحْصَنْتَ))؟ قَالَ: نعم، فأمَرَ بهِ، فَرُجمَ فى المصلَّى، فلمَّا أذلَقَتْهُ الحجارةُ، فرَّ فأَدْرِكَ، فُرجِم حتى مات، فقال النبى صلى الله عليه وسلم خيراً، وصلىَّ عليه.
وفى لفظ لهما: أنه قال: له ((أَحَقُّ مَاَ بَلَغَنى عَنْكَ))، قال: وما بلغك عنى، قال: بَلَغَنى أنَّكَ وَقَعْتَ بجَارِيَةِ بنى فُلاَنٍ)) فقال: نعم، قال: فَشَهِدَ على نفسه أربعَ شهاداتٍ، ثم دعاه النبىُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((أبِكَ جُنُونٌ))، قال: لا، قَالَ: ((أحْصَنْتَ)) ؛ قال: نعم، ثم أمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
وفى لفظ لهما: فلما شهد على نفسه أربَعَ شهادات، دعاه النبىُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((أبِكَ جنُونٌ)) ؛ قال: لا. قال: ((أَحْصَنْتَ))؟ قال: نعم. قالَ: اذْهَبُوا بهِ، فَارجُمُوه)).وفى لفظ للبخارى: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أو غَمَزْتَ، أو نَظَرْتَ))، قال: لا يا رسول الله. قال: ((أَنِكْتَهَا)) لا يَكْنى، قال: نعم، فَعِنْدَ ذلك أمر برجمه.
وفى لفظ لأبى داود: أنه شَهد على نفسه أربعَ مرات، كُلُّ ذلك يُعْرِضُ عنه، فَأَقبِل فى الخامسة، قال: ((أَنِكْتَهَا))؟ قال: نعم. قال: ((حَتَّى غَاب ذلِكَ مِنْكَ فى ذلِكَ مِنْهَا))؟ قال: نعم. قال: ((كَمَا يغِيبُ المِيلُ فى المُكْحُلَةِ والرِّشاء فى البئرِ))؟ قال: نعم. قال: ((فَهَلْ تَدْرى مَا الزِّنَى))؟ قال: نعم أتيتُ منها حراماً ما يأتى الرجلُ من امرأته حلالاً. قال: ((فَمَا تُريدُ بِهذا القَوْلِ))؟ قال: أريدُ أن تطهِّرنى قال: فأَمَرَ به فَرُجِمَ.
وفى ((السنن)): أنه لما وجدَ مسَّ الحِجارة، قال: يا قومُ رُدُّونى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومى قتلونى، وغرُّونى من نفسى، وأخبرونى أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم غيرُ قاتلى.
وفى ((صحيح مسلم)): ((فجاءت الغامدية فقالت: يا رسولَ اللِّه إنى قد زنيتُ فطهِّرنى، وأنه ردَّها، فلما كان مِن الغد، قالت: يا رسول اللِّهِ ثم تَرُدُّنى، لعلك أن تَرُدَّنى كما رددتَ ماعزاً؟ فوالله إنى لحبلى، قال: إمَّا لاَ، فاذْهبى حَتَّى تَلِدى))، فلما ولدت، أتته بالصبىِّ فى خِرقة، قالت: هذا قد ولدتُه، قال: ((اذْهبى فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ))، فلما فطمته، أتته بالصبىِّ فى يده كِسرة خبز، فقالت: هذا يا نبىَّ الله قد فطمتُه، وقد أكل الطعامَ، فدفع الصبىَّ إلى رجل من المسلمين، ثم أَمَرَ بها، فَحُفِرَ لها إلى صدرها، وأمر الناسِ فرجموها، فأقبل خالدُ بن الوليدِ بحجرٍ، فرمى رأسها، فانتضحَ الدمُ على وجهِ، فسبَّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَهْلاً يا خَالِدُ فَوَالَّذى نَفْسى بيَده، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا، صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ)) ثم أمر بها، فصلى عليها، ودُفنت.وفى ((صحيح البخارى)): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى، ولم يُحْصِنْ بنفى عامٍ، وإقامةِ الحدِّ عليه.وفى ((الصحيحين)): أن رجلاً قال له: أنشُدُكَ باللِّهِ إلا قضيتَ بيننا بكتابِ الله، فقام خصمه، وكان أفقَه مِنه، فقال: صَدَقَ اقْضِ بيننا بكتابِ اللَّهِ، وائذن لى، فقالSad(قل)) قال: إن ابنى كانَ عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، فافتديتُ منه بمائة شاةٍ وخادِم، وإنى سألتُ أهلَ بالعلم، فأخبرونى أن على ابنى جَلْدَ مائةٍ وتغريبَ عام، وأن على امرأةِ هذا الرجم، فقال: ((والَّذِى نَفْسِى بَيَدِهِ لأَقْضِيْنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، المائَةُ والخَادِمُ رَدُّ عَلَيْكَ، وعلى ابْنِكَ جَلْدُ مائَةٍ وتَغٌرِيبُ عَامٍ، واغْدُ يا أُنيسُ عَلَى امْرَأَةِ هذَا، فاسْأَلْهَا، فإن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْها))، فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها.
وفى ((صحيح مسلم)) عنه صلىالله عليه وسلم: ((الثِّيبُ بالثَّيب جلدُ مائةٍ والرجْمُ، والبِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مائَةٍ وتغريب عام)).
فتضمنت هذه الأقضية رجمَ الثيب، وأنه لا يُرجم حتى يُقِرَّ أربع مراتٍ، وأنه إذا أقر دون الأربع، لم يلزم بتكميل نصاب الإقرار، بل للإمام أن يُعْرِضَ عنه، ويعرض له بعدم تكميل الإقرار.وأن إقرارَ زائل العقل بجنون، أو سكر ملغى لا عِبرة به، وكذلك طلاقهُ وعِتقُه، وأيمانُه ووصيتُه.
وأن الحر المحصَن إذا زنى بجارية، فحده الرجم، كما لو زنى بحرة.
وأن الإمام يُستحب له أن يُعرِّض للمقر بأن لا يُقِرّ، وأنه يجب استفسارُ المقرِّ فى محل الإجمال، لأن اليدَ والفمَ والعين لما كان استمتاعُها زنى استفسر عنه دفعاً لاحتماله.
وأن الإمام له أن يصرح باسم الوطء الخاص به عند الحاجة إليه كالسؤال عن الفعل.
وأن الحد لا يجبَ على جاهل بالتحريم، لأنه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى، فقال: أأتيتُ منها حراماً ما يأتى الرجل مِن أهله حلالاً.
وأن الحد لا يُقام على الحامل، وأنها إذا ولدت الصبىَّ، أمهلَتْ حتى تُرضِعَه وتَفطِمَه، وأن المرأةَ يُحفَر لها دون الرجل، وأن الإمام لا يجِبُ عليه أن يبدأ بالرجم.
وأنه لا يجوز سبُّ أهلِ المعاصى إذا تابوا، وأنه يُصلَّى على من قُتِلَ فى حدِّ الزنى، وأن المُقِرَّ إذا استقال فى أثناء الحد، وفَّر، ترك ولم يتمم عليه الحد، فقيل: لأنه رجوع. وقيل: لأنه توبة قبل تكميل الحد، فلا يقام عليه كما لو تاب قبل الشروع فيه، وهذا اختيار شيخنا.
وأن الرجل إذا أقرَّ أنه زنى بفلانة، لم يُقم عليه حَدُّ مع حد الزنى.
وأن ما قُبِضَ من المال بالصلح الباطلِ باطل يجبُ ردُّه.
وأن الإمام له أن يُوكِّل فى استيفاء الحد.
وأن الثيب لا يُجمع عليه بين الجلدِ والرجم، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزاً ولا الغامدية، ولم يأمر أنيسَاً أن يَجْلِدَ المرأة التى أرسله إليها، وهذا قول الجمهور، وحديث عبادة:
((خذُوا عنى قَدْ جَعَلَ اللُّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: الثَّيِّبُ بالثَّيبِ جَلْدُ مِائَةٍ والرجم منسوخ)). فإن هذا كان فى أول الأمر عند نزول حد الزانى، ثم رجم ماعزاً والغامدية، ولم يجلدهما، وهذا كان بعد حديث عبادة بلا شك، وأما حديث جابر فى ((السنن)): أن رجلاً زنى، فأمرَ به النبىُّ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ الحَدَّ، ثم أقرَّ أنه محصَن، فأمر به فرجم. فقد قال جابر فى الحديث نفسه: إنه لم يعلم بإحصانه، فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم. رواه أبو داود.
وفيه: أن الجهل بالعقوبة لا يسقط الحد إذا كان عالماً بالتحريم، فإن ماعزاً لم يعلم أن عقوبتَه بالقتل، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه.
وفيه: أنه يجوز للحاكم أن يحكم بالإقرار فى مجلسه، وإن لم يسمعه معه شاهدان، نص عليه أحمد، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يقل لأنيس: فإن اعْتَرَفَتْ بحضرة شاهدين فارجمها.
وأن الحكم إذا كان حقاً محضاً لله لم يشترط الدعوى به عند الحاكم.
وأن الحدَّ إذا وجب على امرأة، جاز للإمام أن يبعث إليها من يُقيمه عليها، ولا يحضرها، وترجم النسائى على ذلك: صوناً للنساء عن مجلس الحكم.
وأن الإمام والحاكم والمفتىَ يجوزُ الحَلِفُ على أن هذا حكمُ الله عز وجل إذا تحقق ذلك، وتيقنه بلا ريب، وأنه يجوز التوكيلُ فى إقامة الحدود، وفيه نظر، فإن هذا استنابةُ من النبى صلى الله عليه وسلم، وتضمن تغريب المرأة كما يغرب الرجل، لكن يغرب معها محرمُها إن أمكن، وإلا فلا، وقال مالك: ولا تغريب على النساء، لأنهن عورة.
فصل
فى حُكمه صلى الله عليه وسلم على أهلِ الكتاب فى الحدود بحُكم الإسلام
ثبت فى ((الصحيحين)) و ((المسانيد)): ((أن اليهودَ جاؤوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلاً مِنهم وامرأةً زنيا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا تَجِدُونَ فى التَّوْرَاةِ فى شَأْن الرَّجْمِ))؟ ((قالوا: نفضحُهم ويُجْلَدُون، فقال عبدُ الله بن سلام: كذبتُم إن فيها الرَّجمَ، فَأَتَوْا بالتوارة، فنشرُوها، فوضَعَ أحدُهم يدَه على آيةِ الرجم، فقرأ ما قبلَها وما بعدَها، فقال له عبدُ الله بنُ سلام: ارفَعْ يدَك، فرفع يدَه، فإذا فيها آيةُ الرجم، فقالوا: صَدَقَ يا محمد، إن فيها الرجم، فأَمَرَ بهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا)).
فتضمنت هذه الحكومةُ أن الإسلام ليس بشرط فى الإحصان، وأن الذِّمى يُحصِّن الذميةَ، وإلى هذا ذهب أحمدُ والشافعىُّ، ومن لم يَقُلْ بذلك اختلفوا فى وجه هذا الحديث، فقال مالك فى غير ((الموطأ)): لم يكن اليهودُ بأهل ذمة. والذى فى ((صحيح البخارى)): أنهم أهلُ ذمة، ولا شكَّ أن هذا كان بعدَ العهد الذى وقع بين النبىِّ صلى الله عليه وسلم وبينهم، ولم يكونوا إذ ذاك حرباً، كيف وقد تحاكمُوا إليه، ورضُوا بحكمه؟ وفى بعضِ طُرق الحديث: أنهم قالوا: اذهبوا بنا إلى هذا النبىِّ، فإنه بعث بالتخفيف، وفى بعض طرقه: أنهم دعوه إلى بيت مِدْرَاسِهِم، فأتاهم وحكم بينهم، فهم كانوا أهلَ عهد وصُلح بلا شك.
وقالت طائفة أخرى: إنما رجمهم بحُكم التوراة. قالوا: وسياقُ القًصة صريحٌ فى ذلك، وهذا مما لا يُجدى عليهم شيئاً ألبتة، فإنه حكم بينهم بالحقِّ المحضِ، فيجبُ اتباعُه بكلِّ حال، فماذا بعد الحقِّ إلا الضلال.
وقالت طائفة: رجمهما سياسةً، وهذا مِن أقبح الأقوال، بل رجمهما بحُكم الله الذى لا حُكم سِواه.
وتضمنت هذه الحكومةُ أن أهل الذَّمة إذا تحاكَموا إلينا لا نحكُم بينهم إلا بحُكم الإسلام.
وتضمنت قبولَ شهادة أهلِ الذمة بعضهم على بعض لأن الزانيينِ لم يُقِرَّا، ولم يشهد عليهما المسلمون، فإنهم لم يحضُروا زِناهما، كيف وفى ((السنن)) فى هذه القصة، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالشُّهودِ، فجاؤوا أربعة، فشهدوا أنهم رأوا ذكره فى فرجها مِثل المِيل فى المُكحلة.
وفى بعض طرق هذا الحديث: فجاء أربعةٌ منهم، وفى بعضها: فقال لليهود: ((ائْتُونى بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُم)).
وتضمنت الاكتفاءَ بالرجم، وأن لا يجمع بينَه وبين الجلد، قال ابنُ عباس: الرجمُ فى كتاب الله لا يغوصُ عليه إلا غوَّاصٌ، وهو قوله تعالى: {يَأَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُم تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ} [المائدة: 15] واستنبطه غيرهُ مِن قوله: {إنَّا أَنْزَلْنا التَّوْراةَ فيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: 44] قال الزهرى في حديثه: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً ونُورٌ يحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم منهم.
الحكم في الزنى واللواطة وشرب الخمر
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم فى الرجل يزنى بجارية امرأته
فى ((المسند)) و((السنن)) الأربعة: من حديث قتادة، عن حبيب بن سالم، أن رجلاً يقال له: عبد الرحمن بن جُنين، وقع على جارية امرأته، فَرُفِعَ إلى النعمان بن بشير، وهو أمير على الكوفة، فقال: لأقضينَّ فيكَ بقضيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلَّتها لك، جلدتُك مائة جلدة، وإن لم تكن أحلتها، رجمتُك بالحجارة، فوجدوه أحلتها له، فجلده مائة.
قال الترمذى: فى إسنادِ هذا الحديثِ اضطرابٌ، سمعتُ محمداً يعنى البخارىَّ يقول: لم يسمع قتادةُ مِن حبيب بنِ سالم هذا الحديثَ، إنما رواه عن خالد بن عُرفُطة، وأبو بشر لم يسمعه أيضاً من حبيب بن سالم، إنما رواه عن خالد بن عرفطة، وسألت محمداً عنه؟ فقال: أنا أنفى هذا الحديثَ. وقال النسائى: هو مضطرب، وقال أبو حاتم الرازى: خالد ابن عرفطة مجهول.
وفى ((المسند)) و ((السنن)): عن قَبِصَة بن حُريثٍ، عن سَلَمَةَ بن المُحَبِّقِ، أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قضى فى رجل وقَع على جارية امرأته، إن كان استكرهها، فهى حرَّة، وعليه لسيدتها مثلُها، وإن كانت طاوعته، فهى له، وعليه لسيدتِها مثلُها.
فاختلف الناسُ فى القول بهذا الحكم، فأخذ به أحمد فى ظاهر مذهبه، فإن الحديثَ حسن، وخالد بن عُرفطة قد روى عنه ثقتان: قتادة، وأبو بشر، ولم يُعرف فيه قدح، والجهالة ترتفِعُ عنه برواية ثقتين، القياسُ وقواعدُ الشريعة يقتضى القولَ بموجب هذه الحكومة، فإن إحلال الزوجة شبهةْ تُوجب سقوطَ الحد، ولا تُسقِط التعزيزَ، فكانت المائةُ تعزيزاً، فإذا لم تكن أحلتها، كان زنىً لا شبهة فيه، ففيه الرجمُ، فأى شىء فى هذه الحكومة مما يُخالف القياس.
وأما حديث سَلَمة بن المحبِّق: فإن صحَّ، تعيَّن القولُ به ولم يُعدَل عنه، ولكن قال النسائى: لا يَصِحُّ هذا الحديثُ.قال أبو داود: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: الذى رواه عن سلمة بن المحبق شيخٌ لا يُعرف، ولا يُحدث عنه غيرُ الحسن يعنى قَبيصة بن حريث. وقال البخارى فى ((التاريخ)): قَبيصة بن حُريث سمع سلمة بن المحبق، فى حديثه نظر، وقال ابن المنذر: لا يثُبتُ خبرُ سلمة بن المحبق، وقال البيهقى: وقبيصة ابن حُريث غير معروف، وقال الخطابى: هذا حديث منكر، وقبيصة غير معروف، والحجة لا تقوم بمثله، وكان الحسن لا يُبالى أن يروىَ الحديثَ ممن سمع.
وطائفة أخرى قبلت الحديثَ، ثم اختلفوا فيه، فقالت طائفة: منسوخ، وكان هذا قبلَ نزول الحدود.
وقالت طائفة: بل وجهه أنه إذا استكرهها، فقد أفسدها على سيدتها، ولم تبق ممن تصلُح لها، ولَحِقَ بها العارُ، وهذا مُثْلَةٌ معنوية، فهى كالمُثْلَةِ الحِسية، أو أبلغُ منها، وهو قد تضمن أمرين: إتلافها على سيدتها، والمثلة المعنوية بها، فيلزمه غرامتُها لسيدتها، وتُعتق عليه، وأما إن طاوعته، فقد أفسدها على سيدتها، فتلزمه قيمتُها لها، ويملِكُها لأن القيمة قد استحقت عليه، وبمطاوعتِها وإرادتِها خرجت عن شُبهة المثلة. قالوا: ولا بُعْد فى تنزيل الإتلاف المعنوى منزلة الإتلافِ الحِسى، إذ كلاهما يحولُ بينَ المالك وبين الانتفاع بمُلكه، ولا ريبَ أن جاريةَ الزوجة إذا صارت موطوءة لزوجها، فإنها لا تبقى لسيدتها كما كانت قبلَ الوطء، فهذا الحكمُ مِن أحسن الأحكام، وهو موافق للقياس الأصولى.
وبالجملة: فالقول به مبنى على قبولِ الحديث، ولا تضُرُّ كثرةُ المخالفين له، ولو كانوا أضعافَ أضعافهم.
فصل
ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى فى اللواط بشىء، لأن هذا لم تكن تعرِفُه العربُ، ولم يُرفع إليه صلى الله عليه وسلم، ولكن ثبتَ عنه أنه قال: ((اقْتُلُوا الفَاعِلَ والمَفْعُولَ بِهِ)). رواه أهل السنن الأربعة، وإسناده صحيح، وقال الترمذى: حديث حسن.
وحكم به أبو بكر الصِّديق، وكتب به إلى خالد بعد مشاورةِ الصحابة، وكان علىٌّ أشدَّهم فى ذلك.
وقال ابنُ القصار: وشيخنا: أجمعتِ الصحابةُ على قتله، وإنما اختلفُوا فى كيفية قتله، فقال أبو بكر الصديق: يُرمى من شاهق، وقال علىٌّ رضى الله عنه: يُهدم عليه حائط. وقال ابنُ عباس: يُقتلان بالحجارة. فهذا اتفاقٌ منهم على قتله، وإن اختلفوا فى كيفيته، وهذا وافق لحُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن وطىء ذات محرم، لأن الوطء فى الموضعين لا يُباح للواطىء بحال،
والى لقاء اخر ان شىء الله
حسن طنش

Like a Star @ heaven Like a Star @ heaven Like a Star @ heaven
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manshatsoliman.ahlamontada.com/profile.forum?mode=editpro
Admin
Admin
Admin


المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 13/08/2009
العمر : 48

.زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد Empty
مُساهمةموضوع: رد: .زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد   .زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد Icon_minitime1الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 7:12 pm

جزاك الله خيرا و جعله الله في ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://manshatsoliman.ahlamontada.com
 
.زاد الميعاد لمن اراد ان يتزود بخير الزاد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» استكمالآ لكتاب زاد الميعاد
» تابع كتاب زاد الميعاد
» حينما اراد ان يصبح يهودي قبل ان يموت
» كل عام وانتم بخير ومنشاة سليمان فى احسن حال باذن الله
» كل عام وانتم بخير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منشاة سليمان :: المنتدي :: القسم الديني-
انتقل الى: